‫الرئيسية‬ الأخبار فن وثقافة عبدالرحيم كمال يستعيد زهو الدراما
فن وثقافة - منوعات - 18 أبريل، 2021

عبدالرحيم كمال يستعيد زهو الدراما

الدراما

الدراما ..كثيرًا ما تدور بيني وبين الأصدقاء نقاشات حول الدراما التليفزيونية والسينمائية، ويحلو للبعض أن يقول مطمئنًا، وقدأحسد أحدهم على هذه الطمأنينة التي تغضبني حين يقول: أن زمن الدراما التليفزيونية الجميلة انتهى برحيل عباقرتها أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحمد صفاء عامر وغيرهم. ما قد توافقني عليه أن الصحيح في جملته هذه؛ أن الثلاثة بالفعل كانوا من فطاحل الكتابة الدرامية، لكن أن يتوقف نهر الإبداع المصري والإنساني على أشخاص محددين مع الإحترام والتبجيل لقيمتهم وقامتهم الفكرية والإبداعية، فهذا ما لا ينشده أبدًا من يطالب بالتجديد والتجدد.

لاتكن عزيزي مثل سلفيي الفكر والاتجاه، عيونهم مقلوبة إلى الوراء ولا يرون شيئًا حولهم، وبالتالي ولا أمامهم، فالأرض تنبت كل يوم زهورًا جديدة وهي ليست بغريبة عن تلك التي ذبلت بفعل الزمن، بل هي بعض من بذارها. ولمن يتابع الدراما التليفزيونية قد يجد أن ذبول هؤلاء ترك الفرصة لمن يزبلون في الأمر، لكن لتدرك الفارق رعاك الله بين “الذابل” و”الزابل”؛ صحيح قد يكون النطق متقاربا لكلتي الكلمتين لكن شتان الفارق والبون الشاسع. لا تركن أرجوك عند الفائت الجميل أو الزابل الحاضر، وانظر بقوة إلى من يجددون بحق ويبدعون جملا حوارية تحترم عقليتك وروحك، بل وتثير فيك شهوة الأسئلة التي هي بداية المعرفة والتجديد، وتغيير المفاهيم الراسخة. من هؤلاء الذين يحفرون بفؤوس إبداعهم في جذور الروح والتربة المصرية ويجلوون ما علاها من غبار الزابلين، المبدع الأديب في الأصل والسيناريست النسيج وحده “عبد الرحيم كمال” فهو القاص الموهوب ذو النفس الصوفي الذي كثيرًا ما أمتعنا في سني الشباب- منذ مايزيد على ربع قرن- بقصصه القصيرة كلما جمعنا لقاء على مقهى الندوة الثقافية أو زهرة البستان. فلا مبالغة إذن إن قلت أنني أطمئن كثيرًا كلما رأيت تترات عمل درامي فوقه جملة أن العمل قصة وسيناريو وحوار عبدالرحيم كمال، وأتفرغ فقط لمتابعة الأداء وكيف تصنع جمل حوارية صاغها جواهرجي مثل عبد الرحيم من ممثل ما قد أكون لا أتوقف عنده كثيرًا، نموذجًا مختلف وكأنني أعيد اكتشاف هذا الممثل أو ذاك.

الدراما
الدراما

وكما يقولون “الفقي لما يسعد تيجي له ختمتين في ليلة واحدة” هكذا شاء القدر بفعل عبدالرحيم، أن يكفر عما ابتلانا به من زابلي الدراما بعملين يليقان بتاريخ الدراما المصرية بل والدراما الإنسانية. “القاهرة كابول” و”نجيب زاهي زركش”، في القاهرة كابول المتعة كما لا تتوقع، فهي تتجاوز الانضباط الدرامي وحنكة الصنعة إلى الوجود الحقيقي وإثارة الفكر والخيال بمهماز الأسئلة المنتجة في ذهنك وذهني كمتلقين لعمل كهذا، فأنت أمام لغة ليست غريبة عنك، هي لغة الحالة المصرية، التي تبدو كـ “نَضْحٍ وعَرَقٍ” من مسام الشخصيات وليست مجرد كلمات تنطقها ألسنتهم.

انظر وتمعن في أداء الفنانين الأربعة “خالد الصاوي وفتحي عبدالوهاب وطارق لطفي وأحمد رزق” خاصة تلك المشاهد التي جمعتهما معا في بدايات الحلقات، على سبيل المثال، لو تمعنت في أداء الفنان طارق لطفي لشخصية الإرهابي “رمزي” الذي يسعى أن يكون خليفة، ستكتشف نقلة هائلة من التخشّب إلى الليونة الإبداعية، تجلى هذا في اكتشاف الممثل لأداة كثيرًا ما يهملها الممثلون، وهي العين، في ظني أن نص عبد الرحيم كمال جعله يلتقت لهذا فأبدع لا في الجمل الحوارية التي ينطقها فحسب، بل في الأداء الدرامي الموازي وهو لغة العين التي تقول كثيرًا ما قد يختلف كثيرًا عما ينطقه لسانه، وهذا في حد ذاته تحدٍ كبير بين الممثل وطاقاته الإبداعية، ولا أخفيكم سرًّا أنني استمتعت للمرة الأولى ربما بأداء فنان موهوب اسمه طارق لطفي.

الدراما
الدراما

أما غول التمثيل خالد الصاوي بأدائه المتميز لدور “العميد عادل” فهو لا شك ليس غريبًا عن أفكار النص التي يتبناها السيناريست كمال، فقد مارسها إبداعًا منذ أكثر من ثلاثين عامًا سواء فيما كان يمتعنا به في أمسيات القاهرة من شعر العامية أو قصصه، فهو الثائر دومًا الباحث عن التنوير وإزاحة الركام الفكري والسياسي والاجتماعي عن الرأس المصرية، وأيضًا مشواره المسرحي الطويل الذي بدأه من مسرح الجامعة، وكذلك أعماله الدرامية والسينمائية المتميزة فيما بعد، ولعل أميزها في ظني أدواره في”الحرامي والعبيط” مع المرحوم خالد صالح، وقد كانت مباراة في فن التمثيل بينهما بحق “ولاد رزق” والفيل الأزرق” . لذا فإنني رأيت خالد الصاوي كأنه يعزف في نص سيمفوني هو مؤلفه أيضًا. قدرة هائلة على القول بكل حركات جسده بما لا يقوله نصًّا بلسانه، ألم أقل لكم إنه غول تمثيل بحق؟!

الدراما
الدراما

ويأتي الفنان الموهوب فتحي عبدالوهاب، ليكشف كعادته عن قدرات تمثيلية جديدة تمامًا في أدائه المتميز، لشخصية إعلامي تكاد تكون معروفة للكثيرين، هذا المتطلع للثراء والشهرة عبر العمل الإعلامي حتى ولو على حساب مشاعر الناس أوتزييف الحقائق. فتحي عبد الوهاب يغزل من الأحجار حريرًا لينًا ببساطة روحه وعمق موهبته الجبارة، وهو طاقة تمثيلية متجددة ومتفجرة دومًا بكل ماهو مفاجئ، منذ رؤية أجيالنا له في بداياته المسرحية الأولي بالعربي الفصيح” والسينمائي خاصة دوره الاشكالي في فيلم “فرحان ملازم آدم” مع لبلبة وياسمسن عبدالعزيز والنجم الراحل حسن حسني. فنان يمثل لا أقول بكل جزء في جسده وتعبيرات وجهه، وحسب، بل بكل مسامه.

الدراما
الدراما

أما المشاهد القليلة التي ظهر فيها أحمد رزق حتى الآن، فقد كشفت عن فنان قادر على تطويع شخصيته كممثل موهوب لديه طاقات ومساحات لم يتم اكتشافها بعد؛ طالما صرف نظره عن أدوار البطولة المطلقة واتجاهه للتمثيل بحق.
كل هؤلاء ومعهم نجوم من وزن العملاقين نبيل الحلفاوي ورياض الخولي ومعهم حنان مطاوع، وغيرهم، يلعبون بسلاسة ويسر على أرضية إبداعية ممهدة، صاغها السيناريست المبدع عبدالرحيم كمال.
هنيئًا لنا ولكم استعادة أرض الدراما المصرية التي تحترم عقولنا وتنكش أرواحنا بمهماز الأسئلة الحادة التي من شأنها أن توقظنا من سباتنا السياسي والفكري والاجتماعي.

الدراما
الدراما

اترك تعليقاً

‫شاهد أيضًا‬

ماتريوشكا قارورة المحيميد

.. “هكذا علمتني أمي منذ الطفولة؛ أن أحترس من الغرباء، أن أنكفئ إلى داخلي، أن أختزن ع…