‫الرئيسية‬ الأخبار أخبار السعودية جذور التغيير بالتنوير في المملكة

جذور التغيير بالتنوير في المملكة

جذور التغيير بالتنوير

جذور التغيير بالتنوير في المملكة.. “للأفكار أجنحة” كما يقولون، نعم هذا قد يصح الاكتفاء به في حال إذا ما ظلت مُحلِّقةً، لكن ما أن تلامس الأرض لا بد لها من قوة تساعدها على السير بين الناس وبالناس أيضًا في طريق التغيير؛ ومن ثَمَّ التجدد والتقدم.

قد يبدو ما سبق مجرد قولٍ تنظيريٍّ، لكن بالنظر إلى تجربة المملكة العربية السعودية الوليدة، يتبدى لنا أن التغيير والتجدد تجاوزا ذلك إلى واقع الحياة؛ حتى ولو كانا بخطى حثيثة ومحسوبة.

وما كان- بالأمس- أساطيرَ لا تُدْركُ، ومحرماتٍ لا تُقْترفُ؛ أو بالحريِّ لا يجرؤ كثيرون على التفكير فيها حتى بينهم وبين أنفسهم؛ صار اليوم أمورًا تأخذ طريقها إلى الواقعية الاجتماعية؛ رغم ما قد تصطدم به من البُنَى الفكرية المتكلسة، لكن ما يطمئن النفس على مسيرة التجديد والسير في طريق التقدم للحاق بركاب الأمم الحديثة فعلاً وقولاً؛ أن القوة التي مُنحت لطائر أفكار الحداثة بعقلية واعية ومستنيرة توافرت لولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان.

والمتابع لمسيرة الإبداع في المملكة عبر عدة عقود مضت، لن تفاجئه مثل هذه الإرادة والقوة في التغيير والتطوير، ولن يعتبرها وليدة اللحظة، أوينظر إليها بدهشة لما يحدث، إلا أن الأمر لن يخلو من إعجاب وفرح بما رأى وتلمس بذوره الأولى لدي رواد تنوعت أدوارهم، فمن حيث القوى الناعمة التي حملت مشاعل التحديث والتطور، لا ينسى الكثيرون منا محمد عبده وطلال مداح في الموسيقى والطرب، وفي الإبداع المكتوب يحق لأبناء جيلي ممن تجاوزوا الستين الفخر بالتعرف إلى مبدعين أمثال الناقد والمترجم “فايز محمود أبّا” وفايز هذا وحده حكاية فكما كان في جدة بيته مفتوحًا لكل الشباب وعقله مشرع الأبواب على أحدث منتوجات الإبداع والفكر، هكذا كان بالقاهرة في الفترات القصيرة التي يتواجد فيه بين أصدقائه ومحبيه. والشاعر والمبدع علي بافقيه، والأديب والمثقف التنويري الراحل محمد حسن بافقيه الذي قدّم كتاب “طه حسين والمثقفون السعوديون”، والناقد المفكر الدكتور عبدالله الغذامي، وجهوده في التعريف بالبنيوية وغيرها من الرؤى الحداثية والشاعر الراحل المجدد علي الدميني عبر لقاءات شخصية بالقاهرة، وكذلك شقيقه الشاعر محمد الدميني أطال الله عمره، ومعجب الزهراني، وإبداعاتهم في قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، هذا على مستوى الشكل، وكانت ثورة التجديد في المضامين التقدمية التي حواها إبداع كل منهم، ومن الملفت في هذا الصدد أن رائدة الكتابة الحديثة في المملكة كانت المبدعة فوزية أبوخالد في بدايات السبعينيات.

ويتواصل تيار التحديث أو السعي نحو الحداثة والتجريب عبر مضامين مستحدثة في إبداعات كثيرين من أبناء المملكة مثل: إبراهيم حسن، وأحمد الملا، وإيمان الطنجي، وزياد السالم، وسمر الشيخ، وصالح الحربي، وعبد الرحمن الشهري، وعبد الله السفر، وعبد الله العثمان، وعبد الوهاب العريض، وعماد العمران، وياسر العتيبي، وماجد الثبيتي، ومحمد الحرز، وهدى المبارك، ووفاء الراجح.
.. ولا يتوقف السعي إلى التحديث والانعتاق من الأطواق البائدة على الشعراء والمفكرين وحدهم، بل هناك تيار تحديثي فائق الأهمية والتأثير أيضًا في مجال القصة القصيرة والرواية، ويبرز من جيل الثمانيات مبدعون متميزون في عالم القصة القصيرة في تشكلاتها الحديثة، أو بالحري التي ظلت تسعى إلى حداثة الرؤية عبر مضامين وتشكلات متنوعة وثرية، ويمثل هذا الاتجاه مبدعون متحققون؛ بل كبار من أمثال “فهد العتيق ويوسف المحيميد وعبدالعزيز الصقعبي وعبدالعزيز المشري” وغيرهم الكثيرين. ولعلي لا أزال مسكونًا بقصة قصيرة للصديق فهد العتيق نُشرت بمجلة إبداع القاهرية عدد أكتوبر 1989 وكان اسمها فيما أتذكر “إذعان صغير”، وكذلك قصة “اصحوا يا أطفال” لمجايله المبدع يوسف المحيميد المنشورة أيضًا بمجلة إبداع القاهرية عدد نوفمبر 1989.

جذور التغيير بالتنوير في المملكة

وفي مجال الفن التشكيلي يبرز اسم “عصام جميل” النحات الذي باتت منحوتاته معروفة في كثير من دول العالم، والمذهل والمدهش أيضًا في مجال النحت- وبوجه أخص- من جانب المرأة السعودية وهو ما تمثل في الإبداعات النحتية لكل من حلوة العطوي والنحاتة الشابة رسيم بندر وغيرهما. وفي التشكيل بالفرشاة واللون لا يمكن إغفال إبداعات الفنانة التشكيلية الشابة حلا خالد.
وترتيبًا على ما سبق نقول بكل يقين: حسنًا ما تفعله الهيئة العامة للترفيه- التي أتمنى أن يُضاف إلى مسماها و”التنوير”- بإقامة مهرجانات فنية ورياضية تستدعي إليها كبار نجوم ومشاهير العالم والدول العربية الشقيقة، جيد هذا التلاقح مع التجارب المختلفة، ولكن في ظني أنه سيكون إلى حين، ولا يصح أن يكون الاعتماد الكلي في ترسيخ قيم الاستنارة والتجدد على كل ماهو وارد أوضيف أومستضاف، إذ لا بدّ من إلقاء المسئولية كاملة على شباب المبدعين في المملكة؛ فهم وحدهم القادرون على استنهاض همم أمتهم بفهمهم للأطر التي لا تتصادم مع ما ترسخ على مدى عقود بل قرون من قيم تبدو ثابتة، رغم تمسك المنافحين عن هذا الثبات بسطح متغير طوال الوقت، وهو ما يتمثل في أرقى المنتجات الاستهلاكية، وأعقد المنتوجات التقنية والإليكترونية.

جذور التغيير بالتنوير في المملكة

ولعل التكريم الحقيقي للإرث والجهود التأسيسية للتنوير في المجالات الإبداعية المتنوعة لدي جيل السبعينيات والثمانينيات وماتلاهما بالمملكة يلقي بمسئولية كبيرة على شباب المثقفين والمبدعين في المملكة من”فنانين وكُتّاب ومطربين وموسيقيين.. إلخ” فهذه رسالتهم الأسمى نحو مجتمعاتهم وتنوير أهليهم.


علي بافقيه


فهد العتيق

يوسف المحيميد

اترك تعليقاً

‫شاهد أيضًا‬

ماتريوشكا قارورة المحيميد

.. “هكذا علمتني أمي منذ الطفولة؛ أن أحترس من الغرباء، أن أنكفئ إلى داخلي، أن أختزن ع…