‫الرئيسية‬ الأخبار أخبار مصر الكبير أوي-دروس في فن الكوميديا وإنكار الذات- شكرًا مكي
أخبار مصر - فن وثقافة - 2 مايو، 2022

الكبير أوي-دروس في فن الكوميديا وإنكار الذات- شكرًا مكي

الكبير أوي

  يظن البعض أن الكوميديا هي الإسهاب في إطلاق الإفيهات الباردة المصنوعة والتمادي في القلش الممجوج، ولعل بعضهم يبرر ذلك الاستسهال والاستظراف بقول كاذب هو “الجمهور عايز كده” ويتفزلك غيرهم بالقول: الناس مش حمل السخرية الجادة الهادفة وكوميديا الموقف الفكري أو الاجتماعي، تمامًا مثلما يبررون ذلك المسخ المسمى أغاني المهرجانات، وهم في حقيقة الأمر لا يدركون الفرق- أو يدركه بعضهم ويتناسونه- بين طرب الغناء والاستمتاع بالموسيقي، وبين “طرْب الكباب المغشوش” المشحون بالدهون والكولسترول الذي يثير الغثيان ويسد الشرايين فيزيد من حالات النرفزة والعصبية.
والفارق شاسع بين “السخرية” أو الكتابة الساخرة كمنهج فلسفي له أسسه الفكرية وبين “المسخرة” التي لا تصلح حتى للتسلية، بل تزيد الاحتقان، فإنني حين أتندر على أحد الناس بحجة إضحاك البعض، فأي كوميديا في هذا الأمر، يكفي أنني تسببت في حزن وغبن هذا الواحد.
والضحك- كما يقول خبراء علم النفس وبعض الفلاسفة- هو ظاهرة سيكولوجية واجتماعية لها تأثيرها في حياة الأفراد والمجتمعات، وقد ارتبطت الكوميديا بإثارة الضحك لتوجيه النقد للمواقف غير المنطقية، وبالتالي فإن الكوميديا تلعب دوراً تصحيحيًّا للأخطاء الاجتماعية، وذلك من خلال أنواعها العديدة التي تشكلت عبر مراحل تطورها.
وفي كتابه “الضحك والنسيان” يقول ميلان كونديرا: “أن تضحك يعني أن تعيش الحياة بعمق”. وأزعم مؤكدًا أن أحمد مكي من الممثلين القلائل الذين يمتلكون هذا العمق، لذا فهو يعيش حياته الفنية بعمق شديد، ولِمَ لا فهو من النادرين جدًا الذين صقلوا موهبتهم بالقراءة الجادة والمستمرة، وهذا ما لا تجده لدى بعض الممثلين، خاصة أولئك الذين يستسهلون الاتجاه إلى الكوميديا السطحية باعتبارها تسلية وتنكيت وضحك بلا هدف، وإن توافقنا على أن الكوميديا تحتمل في تجلياتها كل هذه العناصر، لكن إذا غاب عنها عنصر هام بل هو الجناح الأهم في توصيل رسالة الكوميديا وهو”التبكيت” فإنها تتحول من سخرية هادفة إلى تسطيح لوعي المتلقين ومسخرة لا لزوم لها، بل أيضًا تتحول إلى تنمّر على أشكال الممثلين الآخرين، أوإلى استهزاء بعقلية جمهور المتلقين. حسب ما نراه لدى رائد ذلك اللون من الإبداع وهو “عبدالله النديم” في مجلة التنكيت والتبكيت” التي أنشأها في نهايات القرن التاسع عشر1881، وتم جمع معظم مقالاتها في كتاب بالاسم ذاته، ولو أن الاتجاه الغالب للنديم وكتابها كان سياسيًا ضد الخديو وطغمة الحكم. ولعلنا نلمح شيئًا من هذا لدى “مكِّي” في الأجزاء الستة من مسلسله الشهير “الكبير أوي” بدءًا من أغنية التيتر وهي بالمناسبة من تأليف أحمد مكي، وهي إن دلّت فهي تدل بل وتؤكد على الأرضية الفكرية والوعي لدى الفنان المسلح بالثقافة والإبداع، ” أنا الكبير … هو الكبير.. فلوس وسلاح وسطو.. وجيش تلت تلاف غفير.. أقوى مية مرة من الدب وصوتي صوت زئير.. شموخ الصقر في السما.. ذكاء تعلب مكير. رضعت في طفولتي من الناجة.. مش بودرة و عصير.. عشان اكده طالع عصب ناشف شرس خطير.. لاعيب بلايستيشن أحرف من أي واد صغير أوكان كبير.. كفاءة إني احكم أي شعب مهما كان كتير.. مهما كان صفاته كان غني أو كان فقير.. مهما كان علامه جاهل أو خريج فرير.. يا تطيع الكبير يا تكون محطوط في قلب بير”..
والحديث عن ذلك التدفق الإبداعي في الشخصيات الثلاثة أوالأربعة التي يؤديها مكي في المسلسل وهي: (الكبير أوي والكبير وحزلقوم وجوني) لا تكفيه عدة مقالات، فكل شخصية لها سمتها الخاص ولكنتها الخاصة واستجاباتها وانفعالاتها المميزة جدًا، نجح أحمد مكي أن يقنعنا كمشاهدين أنه “مش هو هو” في أي من الشخصيات المتنوهة هذه، ولا ينكر أيضًا هنا دور المخرج المبدع أحمد الجندي، لذلك فليست هذه الخصيصة الإبداعية أوغيرها هي فقط ما تمتاز به شخصية “أحمد مكّي” لكن ما يتبعها من امتلاء وتحقق، لذلك فليس من الغريب أيضًا أن تجده يوثر الآخرين ويقدمهم، فالمبدع الممتلئ المتحقق لا يضار أبدًا من ظهور نجوم- وليس نجم واحد- بجواره، فالفنان الذي يمتك هذا الثراء الفكري لابد أن يكون متزنًا ومتوازنًا نفسيًا واجتماعيًا، ومن ثَمَّ لا يضيره أبدًا أن يتراجع للوراء خطوة أو يقف على جانب المسرح كي يبرز غيره من الموهوبين، وهذا ما فعله ويفعله دومًا أحمد مكي، حسب شهادات كثير من الفنانين الذين عملوا معه.
الشاهد على ذلك هذه الكوكبة من الموهوبين سواءً كانوا من الشباب أمثال (الفنان محمد سلّام صاحب أشهر بصمة كوميدية خلال رمضان بشخصية “هجرس أوهدرس”، والفنان هشام إسماعيل صاحب بصمة “فزّاع”، وأخيرًا- ولا أقصد ترتيبًا- الموهوبة رحمة أحمد فرج التي جسدت شخصية مربوحة” وأيضا المخضرمين أمثال بيومي قنديل والفنان حسين حجاج صاحب بصمة القوة المتهورة بشخصية “أشرف” الذي لا تمتلك إلا أن تحبها رغم أنها شخصية قاتل مبرمج لا يناقش!
أما الاكتشاف الحقيقي الذي يحسب لـ “الكبير أوي” ومنتجي ومخرج العمل الفنان المبدع أحمد الجندي فهو الشاب مصطفى غريب الذي أدى شخصية العترة ابن الكبير- وفي مستويات متنوعة بدا تمكن هذا الشاب الصاعد بخطى واثقة بسبب وجود موهوب “كبير أوي” ومخرج متمكن مثل الجندي يقدمان أمثال غريب وغيره نحو الصفوف الأولى للإبداع في الأداء الدرامي بشقيه التراجيدي والكوميدي وما بينهما. ولا يُنسى بالطبع الطفل الموهوب يوسف صلاح الذي أدى دور الابن المزيف لحزلقوم، فهو موهبة ينتظرها مستقبل كبير في عالم التمثيل.
أما الخصيصة الأبدع التي ربما فاجأت كثيرين من نجوم الأعمال الفنية الأخرى، سواء التي تعرض خلال هذا الشهر أوتم عرضها من قبل إذ أن “مكِّي” كثيرًا ما سمعناه ورأيناه يلفت نظرنا باحترام ومحبة لهذا العمل أوالدور. ولعلها فاجأت أيضًا معظم المدعوين لمهرجان المزاريطة السينمائي الدولي” فهي في هذا الجمال الذي يميز شخصية مكي ويجعله يكرم زملائه ممن يشاركون في أعمال أخرى ويجعل من حضورهم متعة أخرى، فشكرا لمكي وشكرا للنجوم الذين أجابوا الدعوة وحضروا وأمتعونا دون خوف من إحن شخصية أوأوهام من عينة وليه يكون حضوري هامشي؟!
في النهاية يتحتم عليّ القول “هنا سأتوقف قليلاً.. لأقول شكرًا أحمد مكّي، والمبدعين في الفكرة والسيناريو؛ كل من المبدع مصطفى صقر والمبدع محمد عزالدين وكل فريق العمل بقيادة المخرج المبدع أحمد الجندي، وسلام كبير للكبير أوي وكل الذين معه.

الطفل الموهوب يوسف صلاح- ابن مزيف لحزلقوم

مصطفى غريب- العِتْرة ابن الكبير

هشام إسماعيل- فزّاع

 رحمة أحمد- مربوحة

محمد سلّام- هجرس أو”هدرس”

السيناريست مصطفى صقر

المخرج أحمد الجندي

المبدع أحمد مكِّي

اترك تعليقاً

‫شاهد أيضًا‬

ماتريوشكا قارورة المحيميد

.. “هكذا علمتني أمي منذ الطفولة؛ أن أحترس من الغرباء، أن أنكفئ إلى داخلي، أن أختزن ع…